تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٣٥
السلام، وأن الأمر من عند الله تعالى، فانكبوا على وجوههم ساجدين لله، وآمنوا برب موسى وهارون، مفضّلين الآخرة على الدنيا، والحق على الباطل. وقوله : بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى بتقديم (هارون) قبل (موسى) لتستوي رؤوس الآيات، مثل قوله تعالى : أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى [طه : ٢٠/ ٥٢]، فتأخير (شتى) لتعتدل رؤوس الآي.
وكذلك قوله تعالى : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) [طه : ٢٠/ ١٢٩]، فتأخير قوله : وَأَجَلٌ مُسَمًّى إنما هو لتستوي رؤوس الآي. وإنما قالوا :
بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى ولم يقولوا :(برب العالمين) لأن فرعون ادعى الربوبية وادعى الألوهية، فلو أنهم قالوا : آمنا برب العالمين فحسب، لقال فرعون : إنهم آمنوا بي، لا بغيري، فاختاروا هذه العبارة لإبطال قوله.
قال فرعون الذي أصر على كفره وعناده ومكابرته الحق بالباطل : أصدّقتم موسى وقوله واتبعتموه، من غير إذن مني لكم بذلك؟ فلم تؤمنوا عن بصيرة وتفكير، إنما أنتم أخذتم السحر عن موسى، فهو معلّمكم الكبير، وأنتم تلامذته، وتواطأتم معه علي وعلى رعيتي، لتظهروه وتروّجوا لدعوته.
فهدّدهم ونفّرهم عن الإيمان بقوله : أقسم أني لأمثّلن بكم، فأقطّعن أيديكم وأرجلكم من خلاف، أي بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو على العكس، ولتعلمنّ هل أنا أشد عذابا لكم أو رب موسى؟! وهذا من فرعون تحدّ لقدرة الله، وتحقير لشأن موسى، وإظهار لما لفرعون من بأس وسلطة.
فازداد السحرة بعد هذا التهديد تمسكا بإيمانهم، وهانت عليهم أنفسهم من أجل رضوان الله، فقالوا : لن نختارك يا فرعون على ما جاءنا به موسى من البينات الواضحات من عند الله تعالى، والمعجزات الظاهرة، كانقلاب العصا ثعبانا، واليد نجما مشعا، وعلى ما حصل لنا من الهدى واليقين، فافعل ما شئت، واصنع ما أنت


الصفحة التالية
Icon