تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٥٩
مسيرة من تقدمهم، وتقديم الإنذار لأهل العقل، والإدراك والوعي يعدّ أسلوبا إعلاميا مفيدا ومؤثرا، إذا اتعظ به القوم، وإذا لم يتعظوا فما على أهل الفكر والوعي والإيمان إلا الإصرار على عقيدتهم، والصبر على أذى قومهم، واللجوء إلى الصلاة التي تقوّي العزائم، وتعتصم بالصلة القوية بالله تعالى والاتكال عليه، وطلب النجدة والعون منه، وهذا ما وجّهت إليه الآيات التالية :
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٨ الى ١٣٢]
أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» «٩» [طه : ٢٠/ ١٢٨- ١٣٢].
هذه حملة توبيخ وتقريع لقريش وأمثالهم من مكذّبي رسالة النبي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فإنهم لم يتبين لهم خبر من أهلكهم الله من الأمم السابقة؟ حالة كونهم يمشون في منازلهم التي دمّرت، وصارت خاوية على عروشها، ولم يبق من الطوائف التي كانت قريش تمر على بلادهم إلى الشام وغيره، كعاد وثمود، وأصحاب الأيكة وقوم لوط، أثر ولا عين : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل : ٢٧/ ٥٢]. أفلم يهد لهم أو يتبين ما جعل الله لهم من الآيات الواضحات للعظة والعبرة، إن في ذلك لعلامات واضحات لأولي النهي والعقل. والمتأمل بما حدث يتعظ وينزجر، ويبادر إلى تغيير عقيدته الفاسدة، وترك ضلالته الخاسرة، كما جاء في
(٢) أي الأمم الماضية.
(٣) لأولي العقول والبصائر.
(٤) يوم القيامة، معطوف على : كلمة.
(٥) صلّ.
(٦) ساعاته.
(٧) أصنافا من الكفار.
(٨) زينتها.
(٩) لنجعله فتنة لهم.