تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٦٥
مكة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إن كان ما تقول حقا، ويسرّك أن نؤمن، فحوّل لنا الصّفا ذهبا، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا، لم ينظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال : بل أستأني بقومي، فأنزل الله : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
نبّه الله تعالى في مطلع هذه السورة (سورة الأنبياء) على اقتراب وجود الساعة (القيامة) ودنوّها، وصور لنا هذا بصيغة الماضي، مبينا أنه قد بات في حكم المقطوع به، المقرر القائم، أنه قرب زمان حساب الناس على أعمالهم في الدنيا، وهو اقتراب الساعة، ولكن الناس في حياتهم ساهون غافلون، لاهون معرضون عن التأهب للحساب، والتفكر في الآخرة، وقوله تعالى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ عام في جميع الناس، وإن كان المشار إليه في وقت نزول الوحي بهذه السورة كفار قريش، بدليل ما بعده من الآيات، وقوله سبحانه : وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ يريد الكفار.
ودليل غفلة الناس : أنه ما يأتي الكفار من قريش وأشباههم من قرآن جديد إنزاله، ينزل سورة سورة، وآية آية، على وفق المناسبات والوقائع إلا استمعوه، وهم لاهون ساخرون مستهزءون، متشاغلة قلوبهم عن التأمل وتفهّم معناه، وهذا ذم صريح للكفرة، وزجر لأمثالهم عن تعطيل الانتفاع بما يسعدهم، وقوله تعالى :
مُحْدَثٍ يراد به الصوت المسموع فهو حادث بلا شك، وأما أصل القرآن الذي هو كلام الله فهو قديم بقدم الله تعالى.
وكان حال الكفار عند نزول القرآن : هو التناجي وإخفاء الكلام فيما بينهم، مرددين : هل هذا الرجل محمد إلا بشر كغيره من الناس في عقله، وتفكيره، وتكوينه، فكيف يختص بالرسالة دونكم؟!