تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٦٨
و أكد الله تعالى على بشرية الرسل، فقال : وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ أي لم نجعل الأنبياء ذوي جسد غير طاعمين كالملائكة، بل كانوا أجسادا عاديين يتناولون الطعام كغيرهم. وما كتب لهم الخلود والبقاء في الدنيا.
وهذا نفي قاطع لاعتقاد بعض المشركين من ترفع الرسل عن الحاجة إلى الطعام، فهم كسائر البشر يأكلون الطعام، ويتصفون بصفات الإنسان ذاتها، ويتعرضون للمشاعر الإنسانية، من حزن وسرور، ومرض ونوم، ويقظة وانتباه، وحياة أو موت، فلا خلود ولا بقاء لهم في الدنيا.
ويذكر الله بقوله : ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ بأنه سبحانه يصون حياة الرسل وكراماتهم، ويصدقهم في الوعد الذي واعدهم به، ألا وهو النصر على أعدائهم، وإنجاؤهم من العذاب، هم ومن يشاء الله من أتباعهم المؤمنين، ويهلك المكذبين منهم، المسرفين على أنفسهم بالكفر والمعصية، والمكذبين بما جاءت به الرسل.
وإثبات بشرية الرسل للرد على المشركين، يناسبه الحديث عن شرف القرآن وفضله، ونفعه للناس، فقال سبحانه : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي تالله لقد أعطيناكم هذا القرآن المشتمل على دستور الحياة الإنسانية الفاضلة، وفي هذا الكتاب عظة وتذكير بمحاسن الأخلاق، ومكارم الشيم، أفلا تعقلون، أي تتدبرون أمركم، وتقدّرون هذه النّعمة، وتتلقونها بالقبول، وتتفكرون بما اشتمل عليه هذا القرآن من العظات والعبر، فتأخذوا بما فيه، وتتجنبوا ما حذّركم منه، أو نهاكم عنه، وهذا حث شديد على تدبر أحكام القرآن، وتعقل ما جاء فيه من أمور الدين والدنيا والحياة.
وقوله سبحانه : لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ بيان رفعة العرب، وإعلاء شأنهم ومنزلتهم بين أبناء العالم كله، والرفعة أو العزة لا تعني الأفضلية أو الطبقية أو


الصفحة التالية
Icon