تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٧٠
«١» «٢» [الأنبياء : ٢١/ ١١- ٢٠].
المعنى : وكثيرا ما أهلكنا من أهل المدن والقرى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وتكذيب الرسل، وأوجدنا بعد إهلاكهم قوما آخرين. وقوله تعالى : وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ معناه : أهلكنا أهل القرى في اليمن وغيرها، فلما تيقنوا أن العذاب واقع بهم فعلا لا محالة، كما توعدهم نبيهم، إذا هم يفرّون هاربين منهزمين من قريتهم، لما أدركتهم مقدمات العذاب.
ويقال لهم تهكما واستهزاء حينئذ : لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة التي أبطرتكم، وإلى مساكنكم التي اغتررتم بفخامتها، لتسألوا عما كنتم فيه، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، لماذا وقع بكم هذا العذاب؟! وفي الجواب اعتراف بالسبب صراحة، إنهم اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك.
فما زالوا يرددون اعترافهم بالظلم، حتى جعلهم الله مثل الحصيد خامدين بلا حركة. أي لم ينطقوا بغير التأسف. والحصيد يشبّه بحصيد الزرع بالمنجل، أي ردّهم الهلاك كذلك، وخامدين : أي موتى دون أرواح، مشبهين بالنار إذا طفيت.
وإنزال هذا العقاب بهم حق وعدل، فكل ما يصدر عن الله عدل وحق، فالله ما أوجد السماوات والأرض إلا بالحق، أي بالعدل والقسط، لا للهو والعبث، فإنه سبحانه خلق السماء والأرض، لتكون دليلا على معرفة الخالق لها، ولمنافع أخرى دنيوية، وليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

(١) لا يكلّون.
(٢) لا يسكنون عن نشاطهم.


الصفحة التالية
Icon