تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٨٧
و جمهور المفسرين على أن الميزان في يوم القيامة إنما هو ميزان واحد، بعمود وكفتين، توزن به الأعمال، ليبيّن الله للناس المحسوس المعروف عندهم. والخفة والثقل متعلقة بأجسام يقرنها الله تعالى يوم القيامة بالأعمال، فإما أن يكون الموزون صحف الأعمال، أو مثالات تخلق، أو ما شاء الله تبارك وتعالى، فهي موازين حقيقية، توزن بها الأعمال.
والمقصود من الوزن : إقامة العدل المطلق الدقيق بين الخلائق لأن الناس عادة لا يثقون إلا بالمحسوسات المشاهدة لهم، فإذا شاهدوا ما يوجد في كفتي الميزان من حسنات وسيئات، اقتنعوا بأم أعينهم بما يشاهدون، وأدركوا حصيلة ما قدموا من أعمال صالحات أو سيئات.
إنها إذن موازين حقيقية توزن بها الأعمال بعد تجسيمها، ولا مانع على قدرة الله أن توزن بهذه الموازين الأمور المعنوية كما توزن الأمور الحسية، كموازين الضغط والحرارة والحركة والاستشعار من بعد.
خصائص التوراة والقرآن
إن منهاج الكتب الإلهية واحد، وغايتها واحدة، فمنهاجها الدعوة إلى توحيد الله، وإنارة الطريق أمام البشر، وتذكير أهل التقوى بالعمل الصالح، وغايتها إصلاح البشرية، ووحدة الأمة، واستمرار الأصالة الإيمانية، دون تعثر ولا انحراف، ولا تغير أو تبدل، وحينئذ تلتقي مسيرة الإيمان في درب واحد، ذروتها الإخلاص لرب العالمين، وجذع شجرتها الإقرار بوجود الله ووحدانيته، وأغصانها الأعمال الصالحة المتميزة بخشية الله، وثمارها إسعاد الناس في الدنيا والآخرة. وهذا