تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٩٠
تهديد إبراهيم الخليل بتدمير الأصنام
لقد عانى الأنبياء والرسل عليهم السلام معاناة شديدة في حمل أقوامهم على رفض عبادة الأصنام، بدءا من تصدي نوح عليه السلام لها، ومرورا بالجهاد العظيم من إبراهيم عليه السلام للقضاء عليها، وتتويجا لحملة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لتصفية معاقل الشرك والوثنية وإنهاء هذه الأسطورة من العالم، أما إبراهيم الخليل فكان النبي الجري ء في تحطيم الأصنام وتكسير الأوثان، مضحيا بنفسه، ومعرّضا حياته للخطر في إقدامه على هذا الفعل الجليل، قال تعالى مصورا هذا الموقف الصامد والجسور لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥١ الى ٥٨]
وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥)
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)
«١» «٢» «٣» «٤» [الأنبياء : ٢١/ ٥١- ٥٨].
المعنى : والله لقد آتينا إبراهيم رشده من عهد الصبا : وهو هدايته إلى رفض الأصنام، ونبذ عبادة الكوكب والشمس والقمر، والتزام جادة الخير والصلاح، والتوفيق لمتطلبات النبوة فما دونها، واعتقاده توحيد الله تعالى، وكان الله تعالى عالما علما تاما بحال إبراهيم، وهذا مدح له عليه السلام، وكل ذلك من قبل مجي ء موسى وهارون عليهما السلام، فهو بحق يستحق ما أهّل له، وهذا نحو قوله تعالى : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام : ٦/ ١٢٤].
(٢) مقيمون على عبادتها.
(٣) خلقهن. [.....]
(٤) قطعا صغارا.