تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٥٩٥
نجاة إبراهيم عليه السلام من النار المحرقة
لقد بذل النمروذ وأتباعه أقصى ما في وسعهم من التنكيل بإبراهيم الخليل عليه السلام، من أجل التخلص منه، بإلقائه في نار عظيمة شديدة الإحراق، بسبب فعله الخطير في تقديرهم وهو تكسير الأصنام، ونقاشه الجادّ الذي يؤكد فعله، ويرمي به إلى إقناعهم بعدم جدوى عبادة الصنم من حجر أو غيره، وأن على القوم أن يفكروا تفكيرا جدّيا صحيحا في شأن عبادة الأصنام، فيرفضوها، ويبادروا إلى اتباع ملة إبراهيم الحنيفية، ملة التوحيد الخالص لله عز وجل. ولكنهم لم يصغوا لنداء العقل، وظلّوا في عنادهم، فأعدوا النار العظيمة لإحراق إبراهيم عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجاه منها، وحماه من تأثيرها، فخرج منها كالخارج من الحمام، قال الله تعالى واصفا هذا الحدث العظيم :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٦ الى ٧٠]
قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠)
«١» [الأنبياء : ٢١/ ٦٦- ٧٠].
أعلن إبراهيم عليه السلام موقفه الصريح بعد جدال قومه له في حادثة تكسير الأصنام، وقال لهم لما اعترفوا بأن تلك الآلهة لا تنطق : أتعبدون بدلا عن الله أشياء لا تنفعكم في الواقع إذا تأملتم بها خيرا، ولا تضركم شيئا إذا عاديتموها أو خفتم منها؟! أُفٍّ لَكُمْ أي تّبا لكم، وقبحا لآلهتكم، أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر، الذي لا يدين به إلا كل جاهل ظالم فاجر.

(١) كلمة تضجر وتبرم.


الصفحة التالية
Icon