تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٠٥
فلم يظهر شكواه إلا بعد طول العهد، واستمرار الضر والمرض، وحينئذ تضرع إلى ربه فكشف الله عنه البلاء، وعوّضه خيرا، قال الله تعالى واصفا هذه الحال :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]
وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
«١» [الأنبياء : ٢١/ ٨٣- ٨٤].
كان أيوب عليه السلام من بني إسرائيل المثل الأعلى والمشهور بين الأنبياء والناس في الصبر على المحنة وشدة البلاء، حتى ضرب به المثل، فقيل : مثل صبر أيوب.
وأثبت القرآن الكريم هذا المعنى في هذه الآيات، ومعناها : واذكر أيها الرسول محمد للعبرة والعظة خبر أيوب الذي أصابه البلاء في ماله وولده وجسده، ففسد ماله، وتفرق عنه أهله، وأصابه المرض، وأساء له ذريته، فكان كلما أخبر بشي ء من ذلك، أو تعرض له، حمد الله تعالى، وقال : هي عاريّة استردها صاحبها، والمنعم بها، ولم يبق معه بشر حاشا زوجته، ويقال : كانت بنت يوسف الصدّيق، واسمها رحمة.
ومكث أيوب عليه السلام صابرا مدة طويلة من الزمان، لم يدع ربه في كشف ما به، حتى شمت به قوم، فتألم لذلك، ودعا ربه حينئذ قائلا :«ربّ إني مسّني الضّر وأنت أرحم الراحمين» وكان مرضه في جلده، ولكن خلافا لما نجده في الروايات الإسرائيلية لم يكن مرضه منفّرا لأن شرط النبي السلامة عن الأمراض المنفرة طبعا.
فأجاب الله دعاءه، وعافاه من مرضه بالاستحمام في ماء معدني والشرب منه، ورفع عنه الضر، ورد الله عليه أهله وزيادة مثل آخر، وعوضه عما فقد في الدنيا.
وقوله تعالى : وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ مختلف فيه في وقت الإيتاء. فقيل :
أوتي جميع ذلك في الدنيا من أهل ومال، وهذا هو الظاهر. وقيل : إيتاء الصحة