تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٣١
أبان الله تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أمرين مهمين : وهما نصرته رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في الدنيا والآخرة، لييأس المجادلون الانهزاميون العابدون الله على حرف (أي شك وضعف في العبادة) الظانون أن الله تعالى لن ينصر رسوله.
والأمر الثاني : إنزاله القرآن آيات واضحات ترشد إلى الحق والصواب.
والمعنى : يقول الله تعالى : نحن أمرنا رسولنا والمؤمنين بالصبر على الدعوة إلى الله، وانتظار وعدنا، فمن ظن غير ذلك، وأننا لن ننصر محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب إلى السماء، أي بحبل إلى سقف بيته، وليختنق به، ولينظر وليتأمل في نفسه : هل يذهب بذلك غيظه من نصرة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم؟ كلا، وهذا الكلام على جهة المثل السائر، وهو قولهم :«دونك الحبل فاختنق» يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه. وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع حياته. وسمي فعله وهو نصب المشنقة «كيدا» استهزاء، لأنه لم يكد به محسوده، وإنما كاد به نفسه، ولم يقدر على غيره.
والمراد من هذا المثل المتحدي به : أن الله تعالى ناصر بالتأكيد دينه وقرآنه ورسوله، لا محالة من ذلك، فليفعل أهل الغيظ ما شاؤوا.
قال ابن عطية رحمه الله : أبين وجوه هذه الآية أن تكون مثلا، ويكون النصر هو النصر المعروف، والقطع : الاختناق، والسماء : الارتفاع في الهواء بسقف أو شجر أو نحوه.
ثم أردف الله تعالى بيان ذلك المثل ببيان آخر، حول القرآن العظيم، والمعنى :
و كما وعدنا رسولنا بالنصر، وأمرناه بالصبر، كذلك أنزلنا القرآن آية بيّنة واضحة، لمن نظر واهتدى، يتعظ بها المعتبر، ويتأمل بها الواعي المتعظ، لا ليقترح معها شي ء آخر، ويستعجل القدر، فإن إنزال كل شي ء بحكمة وميعاد، وفي الوقت المناسب


الصفحة التالية
Icon