تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٣٤
يخضع ويسجد له كل شي ء طوعا وكرها، وهذه آية إعلام بتسليم المخلوقات جميعها لله تعالى وخضوعها، وقد ذكر الله في الآية كل ما عبد الناس، وهناك في المخلوقات أعظم مما ذكر كالبحار والرياح والهواء، يسجد لله جميع من في السموات وهم الملائكة، وجميع من في الأرض، ممن عبد من الإنس (الناس) والجن، وتسجد لله الشمس والقمر والنجوم العلوية، وكانت حمير وهم قوم بلقيس تعبد الشمس، وكانت كنانة من العرب تعبد القمر، وكانت قريش تعبد الشّعرى، وكانت أسد تعبد عطارد، وكانت تميم تعبد الدّبران، وكانت لخم تعبد المشترى، وكانت طي تعبد الثّريا، وكانت ربيعة تعبد المرزم.
والأشجار والجبال والدواب كلها تسجد لله أيضا، وإن عبدها بعض الناس، فمن الجبال أصنام الحجارة، ومن الشجر : النار والخشب، ومن الدواب : البقر وغير ذلك مما عبد من الحيوان كالديك ونحوه.
والسجود من هذه المخلوقات غير العاقلة : يراد به الخضوع والانقياد للأمر. وكثير من الناس حق له الثواب وهم من أطاع الله، وكثير منهم حق عليه العقاب : وهم من امتنع من طاعة الله وأبى واستكبر.
ومن يهن الله، فيشقيه ويضله لسوء فعله، وسوء استعداده للإيمان، فلا يقدر أحد على دفع الهوان عنه، ولا يسعده أحد، لأن الأمر بيده تعالى، يوفق من يشاء، ويخذل من يريد، بمقتضى الحكمة الإلهية القائمة على العدل المطلق، والعلم الشامل بأحوال الخلائق، فلا شقاء لأحد من دون فعله السيّئ، وعتوه وتمرده، وخروجه عن جادة الطاعة والاستقامة، وإن الله يفعل ما يشاء في عباده من الإهانة والإكرام، والتعذيب والإنعام، حسبما سبق في علمه الأزلي، والناجي : من سجد لله وخضع وانقاد للأمر، والهالك من عتا وتكبر عن طاعة الله تعالى.