تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٣٦
فريق المؤمنين، وفريق الكافرين، تنازعوا في شأن ربهم وفي دينه، وكل منهم يعتقد أنه على الحق، وأن خصمه على الباطل.
فالذين كفروا بالله ربهم : مصيرهم واضح، قطّعت لهم ثياب من نار، أي تحيط بهم النار إحاطة شاملة، يصبّ على رؤوسهم الحميم، أي الماء البالغ أقصى درجات الغليان، فيذيب جميع ما في بطونهم من أحشاء، ويشوي جلودهم فيحرق الباطن والظاهر، وقوله سبحانه : يُصْهَرُ معناه : يذاب أو يعصر.
ولهم مقامع من حديد، أي لهم مضارب، تضرب بها رؤوسهم، فتنكشف أدمغتهم، فيصب الحميم حينئذ عليها. وكلما أرادوا الخروج أو الهروب من جهنم بسبب شدة العذاب والغم، أي الحزن الشديد، أعيدوا فيها كما كانوا، ويقال لهم :
ذوقوا العذاب المحرق، وهو عذاب النار الشديد، والمعنى : أنهم يهانون بالعذاب قولا وعملا، فإذا ارتفع لهب رفعهم، فيصلون إلى أبواب النار، فيريدون الخروج، فيضربون بالمقامع، وتردهم الزبانية.
ويعادل هؤلاء الفريق فريق أهل الإيمان بالله تعالى، ومصيرهم واضح أيضا، إن الله يدخل المؤمنين الذين يعملون الصالحات، أي الطاعات والقربات، ويتجنبون المنكرات، جنات عالية رفيعة، تجري الأنهار من تحت أشجارها وجوانبها وقصورها.
وحليتهم التي يلبسونها : أساور الذهب في أيديهم، وتزين هاماتهم ورؤوسهم باللؤلؤ : وهو في الدنيا ما يستخرج من جوف الصدف، والأشهر أنه اسم للجوهر، ويرتدون على أجسادهم الحرير الذي كان محرما لباسه على الرجال في الدنيا، في مقابلة ثياب أهل النار التي فصّلت لهم. روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال- فيما يرويه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه- :«من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في