تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٨٩
إنهم بهذه المقالة يستبعدون بعثة البشر، ويتطلبون إرسال أحد الملائكة للنبوة والرسالة، فهم تماما مثل قوم نوح الذي أنكروا نبوته تحت ستار البشرية الآدمية، لا الملائكية العلوية.
وأقسم قوم هود لبعضهم : لئن أظهرتم الطاعة لبشر مثلكم واتبعتموه، إنكم حينئذ تخسرون عقولكم، وتغبنون في آرائكم، وتضيعون مجدكم بترككم آلهتكم، واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم.
وبشرية الرسل : كانت هي الشبهة الأولى لإنكار عاد قوم هود، ولإنكار قوم نوح قبلهم، ولكنها شبهة واهية، لأن أبسط مبادئ السفارة أو الرسالة الإلهية، وغيرها أن يكون السفير أو الرسول من جنس المرسل إليه، وليس من جنس آخر فوقه، حتى يتحقق التفاهم على المهمة المرسل بها، ولا يبقى لأحد عذر في اتباع هذا الرسول الذي يؤيده الله تعالى بالمعجزة الخارقة للعادة، لتكون دليلا على صدقه في ادعائه النبوة، كقيام المعجزة على العرب قوم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهي معجزة القرآن، وقيام المعجزة لعيسى عليه السلام على الأطباء، ومعجزة موسى عليه السلام على السحرة في عهد فرعون المتأله الجبار، فقامت الحجة على هؤلاء وعلى جميع من وراءهم، ومن المعلوم أن العقاب لا يتعلق بأحد إلا بعد تركه الواجب عليه، وبعد قيام الحجة المفحمة أو المقنعة، ولقد أعذر، من أنذر وأقام الدليل على صحة مهمته وصدق دعوته.
وتأكد صدق الأنبياء على مدى التاريخ بآثارهم الطيبة، في غرس شجرة الإيمان في القلوب، وإهلاك الذين كذبوا برسالتهم، وعارضوا وقاوموا دعوتهم.


الصفحة التالية
Icon