تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٦٩٩
العتاب : أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من مال وأولاد، من أجل تكريمهم وإعزازهم ورضا الله عنهم؟ كلا، ليس الأمر كما يزعمون في قولهم : نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) [سبأ : ٣٤/ ٣٥]. إنهم أخطئوا الفهم وتقدير الأمور، فإنما نفعل ذلك الإنعام عليهم استدراجا لهم، وأخذا بهم إلى مهاوي العذاب إن لم يتوبوا. إننا نقدم لهم الخيرات من الأموال والبنين فتنة لهم، فترقّب بهم أيها النبي وكل متأمل مصيرهم السيّئ المحتوم، ثم ختمت الآية بالوعيد والتهديد، بقوله تعالى : بَلْ لا يَشْعُرُونَ أي إنهم لا يحسّون بأن الأوضاع والأحوال تسير في غير صالحهم، فعليهم استدراك خطأ المسيرة، وسوء العمل، وضلال التوجه إلى غير مرضاة الله تعالى.
المسارعون في الخيرات
تتكرر الحملة القرآنية لإصلاح النفوس بعقد مقارنة أو موازنة بين الأمور والأحوال، والصفات المتقابلة، فبعد أن فرغت الآيات في سورة «المؤمنون» من ذكر الكفرة وتوعدهم، عقّب الله تعالى بذكر المؤمنين ووعدهم، وأبان ذلك بأبلغ صفاتهم، وهي صفات تجمع بين صحة العقيدة، وأداء الحقوق، سواء أكانت حقوقا لله تعالى، كالعبادات المحضة من صلاة وصيام وزكاة وحج وكفارة، أم حقوقا للناس، كالودائع والديون، مع خوف القلوب من التقصير، وعدم قبول الأعمال منهم. قال الله تعالى مبينا صفات المسارعين في عمل الخير :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)
وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢)
«١» «٢» «٣»
(٢) يعطون ما أعطوا.
(٣) خائفة.