تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٠٢
بعض أعمال الكفار
لم تكن أعمال الكفار قبل مجي ء الأنبياء ولا بعد مجيئهم، على نحو مرض، ولا على أساس سليم من الاعتقاد، وإنما هم كسابق عهدهم في ضلال وجهالة وحيرة، وانحراف عن جادة الاستقامة. وربما كانت أحوالهم بعد بعثة نبي لهم أسوأ مما كانوا عليه، بسبب مقاومتهم رسالة الحق والتوحيد والخير، وتحديهم الرسل، وإصرارهم على الباطل، وعنادهم وتصلبهم في تغيير المواقف. وهذا حال كفار قريش الذين ماتوا على الكفر والضلال، وضموا سوءا إلى كفرهم، كالشرك والطعن بالقرآن، والسخرية من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وإيذاء أهل الإيمان. قال الله تعالى واصفا أعمالهم :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٣ الى ٧٠]
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧)
أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» [المؤمنون : ٢٣/ ٦٣- ٧٠].
هذه نماذج من أعمال الكفار والمشركين في مكة بعد البعثة النبوية، فهم في غمرة، أي حيرة وضلال من بيان القرآن، ومن الأعمال الصالحة التي يعمل بها المؤمنون.
ولهم أعمال سيئة غير الكفر والجهل، عاملون لها قطعا في المستقبل القريب : وهي الطعن في القرآن، وإيذاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين. وهذا من دائرة علم الله تعالى المدون في اللوح المحفوظ، وعلم الله لا يتغير. وحتى : حرف ابتداء، فإن الله تعالى إذا أوقع

(١) أي حيرة وترك الفكر العميق.
(٢) منعّميهم البطرين.
(٣) أي يضجون ويستغيثون.
(٤) أي ترجعون وراءكم.
(٥) أي تتكلمون جماعة سمارا بالليل بالهوس وسوء الكلام في القرآن والنبي.
(٦) أي جنون.


الصفحة التالية
Icon