تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٥١
تنوير النفوس والكون
لقد كانت وما زالت مهمة القرآن العظيم بيان نعم الله تعالى على عباده قاطبة، فالله سبحانه وتعالى أنزل القرآن آيات منيرات للنفوس، وهو عز وجل منوّر السموات والأرض بأنواره الذاتية، ليكون الناس على بيّنة من أمرهم، فإذا قدّروا نعمة الله، وتدبّروا آيات الله في قرآنه، وعرفوا مدى فضل الله في تنوير الكون سمائه وأرضه، وجب عليهم طبعا وعقلا وأدبا، شكر المنعم وعبادته وطاعته في كل ما أمر به ونهى عنه، لأن القصد من التنوير : هو هداية أهل السماوات والأرض، تلك الهداية التي بلغت الغاية في الظهور والجلاء، قال الله تعالى موضحا نعمته في التنوير أو الهداية :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (٣٥)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [النور : ٢٤/ ٣٤- ٣٥].
هذه هي آيات التنوير الحسي والمعنوي، المادي والقلبي، فلقد وصف الله تعالى في الآية الأولى القرآن الكريم بصفات ثلاث وهي :
أولا- لقد أنزلنا في هذه السورة- سورة النور وغيرها آيات مفصّلات الأحكام والحدود والشرائع التي يحتاج الناس إليها، وموضحات الحق ومعالمه ودروبه.
ثانيا- أنزل الله في قرآنه أيضا أمثلة من أخبار الأمم المتقدمة، وضرب للناس من أمثال الماضين من الأمم، ليقع التحفظ والحذر مما وقع أولئك فيه.
(٢) أي قصة عجيبة من قصص الأمم الغابرة.
(٣) منورهما ومدبرهما.
(٤) أي كوّة أو طاقة مغلقة غير نافذة من الخلف.
(٥) مضي ء.