تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٥٤
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨)
«١» «٢» «٣» [النور : ٢٤/ ٣٦- ٣٨].
مطلع هذه الآية فِي بُيُوتٍ متعلقة بما قبلها، تقديره كمشكاة كائنة أو مصباح كائن في بيوت أمر الله برفعها بالبناء أو التعظيم، وتطهيرها من النجاسات الحسية كالقذر، والمعنوية كالشرك والوثنية. أو هي متعلقة بمتأخر وهو يسبّح، أي يسبح الله ويقدس له المسبحون في بيوت. والبيوت : هي المساجد المخصوصة لله تعالى التي من عادتها أن تنوّر بذلك النوع من المصابيح. والمعنى : ينزه الله تعالى ويقدسه في الصلاة في المساجد في أوائل النهار وأواخره بكرة وعشيا، صباحا ومساء، والمراد في كل وقت، وفي مجالس الوعظ والذكر، وقراءة العلم، والتفكر والتأمل في ملكوت الله وعظمته.
وقوله سبحانه : تُرْفَعَ معناه تبنى وتعلّى، كما في قوله تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة : ٢/ ١٢٧]، و
قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وبقية الكتب الستة والدارمي :«من بنى مسجدا من ماله بنى الله له بيتا في الجنة».
ثم وصف الله تعالى المسبحين، بأنهم لمراقبتهم أمر الله تعالى، وطلبهم لرضاه، لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شي ء من أمور الدنيا، فهم رجال ليسوا ماديين نفعيين، بل هم قوم ذوو همة عالية، وعزيمة صادقة، لا تشغلهم تجارة، ولا بيع عن ذكر الله وتقديسه، بل يذكرون الله تعالى، ويقيمون الصلاة جماعة في المساجد،
(٢) أول النهار وآخره.
(٣) بلا نهاية للعطاء.