تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٥٩
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤١ الى ٤٤]
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [النور :
٢٤/ ٤١- ٤٤].
هذه بعض أدلة وجود الله وتوحيده وقدرته، أولها : تسبيح المخلوقات. والمعنى :
ألم تعلم بالدليل الواضح أيها النبي وكل مخاطب أن الله ينزهه ويقدسه كل من في السماوات والأرض، من العقلاء وغيرهم، من الملائكة والإنس والجن والجمادات، والطير باسطات قابضات أجنحتها حال طيرانها في جو السماء كيلا تسقط. والجمهور على أن تسبيح الطير والجمادات تسبيح حقيقي، ويراد به التعظيم والتقديس، وذلك بأسلوب يتفق مع طبيعة هذه المخلوقات، وكل واحد مما ذكر قد علم الله صلاته وتسبيحه، أي أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عز وجل، والله تام العلم بجميع ذلك، ولا يخفى عليه شي ء من أفعالهم، وهو مجازيهم عليها.
والله تعالى مالك جميع ما في السماوات والأرض، وهو الحاكم المتصرف فيهما، بالخلق والإماتة، وإليه وحده مصير الخلائق ومعادهم يوم القيامة.
الدليل الثاني : إنزال المطر، ألم تعلم أيضا أيها النبي وكل إنسان مخاطب كيفية تكوين المطر وإنزاله، إن الله تعالى يسوق السحاب بقدرته، ثم يجمع ما تفرق من أجزائه في وحدة متضامة، ثم يجعل بعضه متراكما فوق بعض، حتى يتكون منه
(٢) يزجي : يسوق.
(٣) الركام : الذي يركب بعضه بعضا ويتكاثف.
(٤) الودق : المطر.
(٥) ضوء برقه.