تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٦٤
و اجتنابا لنواهيه، وتفانيا مستمرا في الطاعة والامتثال، وحبا للطاعة ذاتها بحيث تقرّ بها العين، وتحلو للفؤاد، وتتناغم في أعماق النفس الإنسانية، وتتفاعل مع أصداء الأفعال والأقوال الصادرة عن الإنسان المحب لربه، وهذا كله يجسده معنى الإيمان الحق بالله عز وجل، لذا يصف الله المؤمنين بقوله تعالى :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥١ الى ٥٤]
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤)
«١» «٢» [النور : ٢٤/ ٥١- ٥٤].
هذه هي صفة المؤمنين المميزة لهم بحق، قورنت مع صفة المنافقين في آيات سابقة، أما المؤمنون فإنهم قولا وفعلا، ظاهرا وباطنا، يسمعون ويطيعون، وأما المنافقون فطاعتهم مجرد تصنع وتظاهر بالطاعة، مع خلو القلب والنفس من معاني الطاعة الحقيقية.
إن شأن أهل الإيمان الصادقين في إيمانهم : أنهم إذا طالبهم أحد إلى حكم الله ورسوله في منازعاتهم وإلى شرع الله ودينه أن يبادروا إلى القول : سمعنا وأطعنا، فاستحقوا الوصف بالفلاح والنجاة، ونيل الآمال المطلوبة، والسلامة من المرهوب وكل مخيف.
وأكد الله تعالى بشارة المؤمنين بالفلاح في الآخرة والدنيا، بالفوز بكل خير، والأمن من كل شر، في الدنيا والآخرة، فكل من يطيع الله ورسوله في كل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وخاف الله فيما مضى من ذنوبه، واتقاه في مستقبل أيامه، فأولئك

(١) أي قدر طاقتهم من الأيمان.
(٢) طاعتكم معروفة وهي اللسان.


الصفحة التالية
Icon