تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٦٨
ففتحت الفتوحات الواسعة، في البلاد المختلفة، في مسيرة الفتح الإسلامي الظافر، ووعد الله المؤمنين أيضا التمكين لدينهم الذي ارتضاه لهم، وهو جعل دين الإسلام مكينا ثابتا في الأرض، قويا عزيزا، مهيبا في كل مكان، مرهوب الجانب من الأعداء، منصورا على الأعداء.
ووعد ثالث : هو تحقيق الأمن ونشر ألوية السلام في ربوعهم، وتغيير حالهم من الخوف إلى الأمن والاستقرار، والسعة والرخاء.
ثم ذكر الله تعالى أحوال أمة القرآن بعد تحقيق العزة والسيادة والأمن، وأول هذه الأحوال : أنهم يعبدون الله وحده لا شريك له، فلا يخالط إيمانهم أيّ لون من الشرك الظاهر أو الخفي، أما من كفر النعمة، وجحد فضل الله، بعد هذه النعم، فأولئك هم المتصفون بالفسق البعيدون عن الرحمة، الغارقون في الضلال والعصيان.
وثاني أحوالهم في سلطانهم : أنهم يؤدون الصلاة في أوقاتها تامة الأركان والشروط، ويعطون الزكاة المفروضة عليهم، حتى يكون الجميع أقوياء غير فقراء، ويطيعون الرسول فيما أمر به أو نهى عنه، وذلك كله ليرحمهم ربهم، وينجّيهم من عذاب شديد الألم. وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي في حقكم ومعتقدكم، وإطاعة الرسول عامة لجميع الطاعات.
وأما المتنكرون لطاعة الله ورسوله، فهم في خطر وخسران ومصير سي ء، فلا تظنن أيها الرسول أن الذين جحدوا برسالتك وكذبوك، يعجزون الله، ويفرون من سلطانه إذا أراد إهلاكهم، بل الله قادر عليهم، ومصيرهم إلى النار الحامية، وبئس هذا المصير مصيرهم، وقبح أو ساء هذا المرجع والخاتمة أو القرار والمهاد مرجعهم، وقوله تعالى : مُعْجِزِينَ معناه فائتين غير مقدور عليهم. والمصير : المرجع.
وهذا تنبيه وتقريع للكفرة، فإنهم ليسوا بمفلتين من عذاب الله تعالى خلافا لما يظنون أو يتوهمون.