تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٧٨
عن صفات النقصان، في قوله سبحانه : تَبارَكَ ومعناه : تزايد خيره وكثرت بركاته ونعمه، وهو فعل مختص بالله تعالى، لم يستعمل في غيره. ومن بركات الله تعالى وأعظمها : إنزال كتابه الذي هو الفرقان الفارق بين الحق والباطل، على عبده محمد الرسول، ليكون نذيرا منذرا للعوالم كلها من إنس وجن بسوء المصير إذا خالفوه وعارضوه. وهو أيضا بشارة للمؤمنين الصالحين بحسن العاقبة، والخلود في الجنان إذا هم اتبعوه وعظموه وكلمة عَلى عَبْدِهِ : هو رسول الله. والفرقان : هو القرآن الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والحضارة والفساد، ولِلْعالَمِينَ عام في كل إنسي وجني، وهو دليل على عالمية شريعة القرآن، وأنها تشمل جميع الأجناس البشرية، ولا تختص بالعرب وحدهم.
وهذه الآية رد على مقالات قريش حين قالوا :«إن القرآن افتراء محمد، وإنه ليس من عند الله». ثم أكد الله تعالى انفراده بإنزال القرآن ببيان اتصافه بصفات الجلال والعظمة وهي أربع :
١- إنه المالك المطلق لجميع ما في السموات والأرض، يملك الخلق والإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة، والأمر والنهي على منهج الحق وعلى وفق الحكمة والمصلحة. وهذا دليل وجود الله تعالى ووحدانيته في الخلق والتدبير وهي وحدانية الربوبية، ووحدانيته في وجوب العبادة لله وحده وهي وحدانية الألوهية.
٢- ليس لله ولد مطلقا، ولم يتخذ ولدا، لعدم حاجته إليه، فهو المنزّه عن الوالد والولد، والصاحبة، لاتصافه بالكمال، وتنزهه عن صفات النقصان.
٣- وليس لله أيضا شريك في ملكه وسلطانه، فهو وحده المعبود بحق، والجدير بالعبادة، والمتفرد باستحقاق العبودية، والتوجّه بهذه العبودية لله تعالى يشعر الإنسان بالعزة والكرامة، ويملأ النفس خوفا من المتصف بالعظمة والجلال، ويجعل الرجاء


الصفحة التالية
Icon