تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٧٩٤
عليهم، ويكون ذلك اليوم شديدا على الكافرين. والغمام : سحاب رقيق أبيض جميل لم يره البشر بعد إلا ما جاء في تظليل بني إسرائيل. وذلك كما جاء في آية أخرى :
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة : ٢/ ٢١٠]. وكان ذلك اليوم يوم القيامة على الكافرين يوما شديدا صعبا، لأنه يوم عدل وقضاء فصل أي محاكمة حاسمة، كما في آية أخرى : فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) [المدثر : ٧٤/ ٩- ١٠].
وفي خبر رابع، اذكر أيها الرسول يوم القيامة الذي يعض المشرك وكل ظالم على يديه ندما وحسرة، وأسفا على ما فرط في حياته، يقول : يا ليتني اتخذت مع رسول الله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم طريقا إلى النجاة والسلامة. يا ويلتي، أي يا هلاكي احضر، فهذا أوانك، ليتني لم أتخذ فلانا الذي أضلني خليلا، أي صديقا حميما، أرداني اتباعه، وصرفني عن الهدى، وأخذ بي إلى دائرة الضلال.
لقد أضلني وحرفني عن ذكر الله والإيمان والقرآن، بعد بلوغه إلي، وكان من شأن الشيطان أن يخذل الإنسان الكافر عن الحق، ويصرفه عنه، ويدعوه إلى الباطل، ويستعمله فيه.
وآية وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ... نزلت في عقبة بن أبي معيط، حين مال إلى الإسلام أو أسلم، لكن خليله الذي صادقة وهو أبي بن خلف قد نهاه عن الإسلام، فقبل نهيه. وأبيّ هذا قتله الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بيده يوم أحد، فنزلت الآية في عقبة وأبيّ، فالظالم :
عقبة، وفلان : أبيّ، في قوله تعالى : يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (٢٨).
والظاهر أن كلمة «الظالم» لفظ عام، وأن مقصد الآية تعظيم يوم، يتبرأ فيه الظالمون من خلّانهم الذين أمروهم بالظلم، وكلمة «فلان» معناه واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يعينه، ويحرضه على الظلم في الأغلب.


الصفحة التالية
Icon