تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٢٢
السّلام حول التربية وترك القتل، اتّجه إلى معارضة موسى في قوله : نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
فاستفهمه استفهاما عن مجهول من الأشياء، كما يستفهم عن الأجناس الغريبة، فقال فرعون : وما حقيقة ربّ العالمين الذي أرسلك؟ وهل هناك إله غيري؟
فأجابه موسى عليه السّلام : الله : هو خالق السماوات والأرض ومالكهما ومدبّرهما، والمتصرّف فيهما، والمهيمن على ما بينهما من مخلوقات، كلهم خاضعون لله طوعا أو كرها، وذلك إن كنتم موقنين بضرورة إسناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود لذاته، فاعلموا أنه هو الله، ولا يمكن تعريفه إلا بأفعاله وآثاره.
فقال فرعون الذي لم يعجبه الجواب، لمن حوله من حاشيته، على سبيل التّهكّم والاستهزاء وتكذيب موسى : ألا تعجبون من جوابه، وألا تستمعون لمواربته وبعده عن الجواب الحقيقي؟ أسأله عن حقيقة ربّ العالمين، فيذكر أفعاله وآثاره.
فأجاب موسى بجواب آخر أخصّ مما سبق وأدلّ على المقصود، لأنه واقع محسوس مشاهد لهم : إن الله تعالى هو خالقكم وخالق آبائكم المتقدمين، فهو الذي أحدثهم وأوجدهم، وهو الواجب لذاته، الباقي بعد فناء خلقه، لا أول له ولا آخر.
فلم يرض فرعون أيضا بهذا الجواب. وقال لقومه : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لا عقل له، ولا يفهم السؤال، وإنه لمجنون يخلط في كلامه.
فأجاب موسى عليه السّلام بجواب ثالث أوضح : إن الله تعالى هو ربّ المشرق الذي تشرق منه الشمس في الصباح، وربّ المغرب الذي تغرب فيه الشمس في المساء، ومثلها سائر الكواكب والنجوم الثوابت والسّيارة، مع انتظام دورانها في مداراتها. وهذا الجواب يبين مدى عجز فرعون الذي لم يكن له إلا ملك مصر، وأما الله سبحانه فله ربوبية المشرق والمغرب. وذلك إن كنتم تعقلون هذا الكلام وتفكّرون في قدرة الله تفكيرا سليما.


الصفحة التالية
Icon