تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٦٧
نفسه، بمعنى بورك من قدرته وسلطانه في النار، والمراد بمن حول النار موسى والملائكة المطيفون به. والأولى أن يراد بمن في النار : من في مكان النار، ومن حول مكانها، أي تبارك من في النور.
وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي تنزه الله الذي يفعل ما يشاء، ولا يشبهه شي ء من مخلوقاته، ولا يحيط به شي ء من مصنوعاته، وهو العلي العظيم، المباين لجميع المخلوقات، وربّ العوالم كلها من إنس وجنّ.
يا موسى إن الذي يخاطبك ويناجيك : هو الله الذي عزّ كل شي ء وقهره عليه، الحكيم في أقواله وأفعاله.
والله يؤيّدك يا موسى بالمعجزات، وأولها إلقاء عصاك، فلما ألقاها انقلبت في الحال حيّة عظيمة هائلة، في غاية الكبر وسرعة الحركة معا، فلما رآها تتحرّك هكذا، كأنها جنّي، ولّى هاربا منها، خوفا على نفسه، ولم يرجع على عقبيه، ولم يلتفت وراءه من شدة خوفه.
فقال الله له : يا موسى لا تخف مما ترى، فإني أريد أن اصطفيك رسولا، وأجعلك نبيّا وجيها، ولا يخاف عندي الرّسل والأنبياء إذا أمرتهم بإظهار المعجزة.
لكن من ظلم نفسه أو غيره، ثم تاب إلى الله من سوء ذنبه، فإن الله يقبل توبته، لأنه بدّل بتوبته عملا حسنا بعد سوء.
والمعجزة الثانية لموسى : بياض اليد وإشعاعها، فأدخل يدك في جيب قميصك، تخرج بيضاء ساطعة، كأنها قطعة قمر، لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف، من غير آفة مرضية ونحوها.
وهاتان المعجزتان من جملة تسع آيات أخرى أؤيدك بها إلى فرعون وقومه، لأنهم كانوا قوما عصاة خارجين عن الحق، بتأليه فرعون.