تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٦٩
[النّمل : ٢٧/ ١٥- ١٩].
المعنى : تالله لقد أعطينا كلّا من داود وسليمان علما نافعا، هو علم الشرائع والأحكام وفصل القضاء بين الناس، وعلّمنا داود صنعة الدروع، وقال كلّ منهما :
الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباد الله المؤمنين الصالحين بهذه العلوم والمعارف المفيدة في الدنيا والآخرة.
وخلف سليمان أباه داود بعد موته في ميراث النّبوة والعلم والملك، أي صار إليه ذلك بعد موت أبيه، ويسمى ميراثا تجوّزا. أما ميراث المال : فلم يقع، لأن الأنبياء لا تورث أموالهم،
قال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة :«نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة».
في رواية أحمد عن أبي هريرة :«إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركت بعد مؤنة عاملي، ونفقة نسائي، صدقة».
وقال سليمان متحدّثا بنعمة الله عليه : يا أيها الناس علّمنا الله منطق الطير والحيوان إذا صوّت، وأعطينا خيرا كثيرا من كل شي ء في الدين والدنيا، من ملك وثروة، أي أعطينا ما يصلح لنا ونتمنّاه، ولا يراد به العموم، إن هذا المؤتى من الخيرات والنّعم من النّبوة والملك والحكم لهو الفضل الإلهي الظاهر البيّن الذي لا يخفى على أحد، وهو فضل الله علينا، فإن فهم المعاني من أصوات الطير، التي في نفوسها أمر يحتاج إلى الشكر، وهذا نحو ما كان عليه نبيّنا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم يسمع أصوات الحجارة بالسّلام. وسمع سليمان أن البلبل قال :«أكلت نصف تمرة، فعلى الدنيا العفاء».
ومن نعم الله على سليمان : أنه جمع الله له جنوده من الجنّ والإنس والطير، فكان ملكه عظيما ملأ الأرض، وانقادت له المعمورة كلها، وكان كرسيّه يحمله


الصفحة التالية
Icon