تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ١٨٨٥
و هذا استفهام إنكاري على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى. والمقصود به :
التنبيه على إغراقهم في الضلال والجهل.
ثم أورد الله تعالى عددا من الأدلة الكونية على وحدانيته وقدرته على كل شي ء، وهذه الأدلة :
١- أعبادة الأوثان والأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع خير، أم عبادة الذي خلق السماوات في ارتفاعها وعظمتها وجمالها، وأنزل من السماء أو السحاب مطرا، فأنبت به الحدائق الغنّاء، ذات الجمال الباهر، ليس لديكم القدرة على إنبات شجرها وإخراج ثمرها، فهو الله المتفرّد بالخلق والرّزق، فهل يصح بعدئذ وجود إله مع الله يعبد؟ إنهم قوم ينحرفون عن الحق والصواب إلى الباطل والخطأ، حين يجعلون مع الله إلها آخر نظيرا له وشريكا. والحدائق : مجتمع الأشجار من العنب والنخيل وغير ذلك. والبهجة : الجمال والنّضرة.
٢- أعبادة الأوثان والأصنام العديمة النفع والضرر خير، أم عبادة الإله الذي جعل الأرض مستقرّا للإنسان وغيره، لا تتحرك بأهلها، وجعل فيها جبالا ثوابت شامخة، لتثبيت الأرض حتى لا تتحرك، وجعل بين المياه العذبة والملحة حاجزا، أي مانعا يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بذاك، وتبقى التفرقة بينهما قائمة. هل يوجد مع الله إله آخر أبدع الكائنات؟ بل في الواقع أكثر هؤلاء المشركين لا يدركون الحق والصواب فيتبعونه.
٣- إن الله الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويدفع عنه الضرر ويرفع عنه السوء من فقر أو مرض أو خوف ونحو ذلك إذا لجأ إليه، ويجعل الناس خلفاء الأرض وورثتها، يخلف بعضهم بعضا في جلب المنافع، وسكنى الديار، وزراعة الأرض، والتصرف بالمملوكات، هل مع الله إله آخر، يقدر مثله على ذلك؟ ولكن ما أقل تذكّر الناس نعم الله عليهم، وإرشادهم إلى الحق والطريق القويم.