تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ٩٥٠
السّنّة الإلهيّة في تعاقب الأجيال
في القرآن الكريم تقرير جلي لسنن الله في الكون والنفس والحياة، يقصد من بيانها تربية النّفس الإنسانية على أساس من الإصلاح الجذري، والبعد عن المزالق والمهالك، أو الوقوع في البلايا والمصائب. فهناك سنّة إلهيّة في الهداية والضّلال، وسنّة إلهيّة في المؤمنين والظالمين من الكافرين والمنافقين، وسنّة إلهية في المسؤولية الشخصية والمسؤولية الجماعية، وسنّة إلهيّة في الدعاء والعبادة والجهاد والمعاملة، والابتلاء والمصيبة، والرزق والإنفاق، والحياة الدنيوية والأخروية.
وهذه السّنن الإلهية تقرر قوانين محددة، وتتصف بأنها دائمة خالدة، وثابتة غير متغيرة، ومستمرة غير متحولة، تشمل الأولين والآخرين. وهذا منهاج الله تعالى في قرآنه كما حكى في آيات كثيرة، منها قوله سبحانه : سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب : ٣٣/ ٦٢].
ومن سنن الله تعالى في النفس وتعاقب الأجيال ما جاء في قوله تعالى :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
«١» «٢» [الأحزاب : ١٠/ ١٣- ١٤].
هذه آية وعيد وتهديد بعذاب الاستئصال والإهلاك للكفار مقرونة بضرب الأمثال لهم، في تعذيب الأمم السابقة، ليرتدعوا عما هم فيه من تحدّ لموكب الإيمان أو مطلب متسرع في تعجيل العذاب، مع أن القانون الإلهي واحد، فكما فعل السابقون أفعالا منكرة فعذّبوا، كذلك يفعل بالأجيال المتلاحقة بسبب التّشابه في الأسباب واقتراف السّيئات.

(١) القرون أي الأمم.
(٢) استخلفناكم بعد إهلاك الماضين.


الصفحة التالية
Icon