تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ٩٥٥
و الإنسان، والرحمة والشدة، والنفع والضّر، فإذا تركت هذه الفطرة على مساقها السليم، كان الإنسان موحّدا، عابدا لله وحده، فهو المعبود بحق، وكل ما يصدر عن الإنسان من شرك وانحراف، وتصورات شاذّة عن الإله خالق الكون، فإنما هو من منشأ طارئ، يعكّر صفو الاتجاه الصحيح نحو الله تعالى. قال الله سبحانه مصوّرا حقيقة الفطرة السّوية في أقدم العصور :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٩ الى ٢١]
وَ ما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
«١» «٢» «٣» [يونس : ١٠/ ١٩- ٢١].
إن توحيد الله تعالى أمر قديم في البشر، وهو الأصل العام في كل إنسان، وما الشّرك في العبادة أو الوثنية وعبادة الأصنام إلا أمر طارئ دخيل، ومذهب فاسد حادث في الناس، بسبب اتّباع الأهواء والتصورات المخطئة. فقد كان الناس كلهم على دين واحد وملّة واحدة هو دين التوحيد، وفطرة الاعتراف بربّ واحد. وذلك كما جاء في آية أخرى : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [البقرة : ٢/ ٢١٣] ويوضح هذا
الحديث الصحيح :«كل مولود يولد على الفطرة، حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه».
لقد طرأ الاختلاف في توحيد الله تعالى على عقول البشر وتصوراتهم بعد الخلق السّوي والتكوين القويم، ولكن حلم الله ورحمته اقتضيا إمهال الإنسان ليراجع

(١) نائبة أصابتهم.
(٢) دفع وطعن.
(٣) أعجل جزاء. [.....]


الصفحة التالية
Icon