تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٢، ص : ٩٦٩
إثبات البعث
إن إثبات التوحيد لله يقتضي إثبات البعث من القبور، لأن من ابتدأ الخلق، قادر على إعادة الخلق، والإعادة أهون من الابتداء، ووجود البعث أمر ضروري لإقامة العدل المطلق بعد اختبار الناس في عالم الدنيا المملوء بالمظالم والانحرافات، فيكون إيجاد عالم الآخرة ضروريا للتناصف وإحقاق الحق، ودحر الباطل، وإنجاز الوعد الإلهي الحق بتحقيق الآمال، والظفر بدار الخلود.
قال الله تعالى مقيما الدليل على وجود البعث :
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
«١» «٢» [يونس : ١٠/ ٣٤- ٣٦].
هذا وصف آخر لقصور الأصنام وعجزها، وتنبيه على قدرة الله عزّ وجلّ، وبدء الخلق يراد به إنشاء الإنسان في أول مرة، وإعادة الخلق : هي البعث من القبور.
قل أيها الرسول للمشركين : من الذي بدأ خلق السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات؟ هل يستطيع أحد غير الله ذلك، سواء كان صنما أو ملكا أو كوكبا أو رسولا ونحو ذلك؟ ومن الذي يقدر أن يعيد إيجاد الخلق مرة أخرى، فيكون خلقا جديدا؟
إنه لا مجال أن يكون غير الله هو الذي يبعث من القبور، قل لهم أيها الرسول :
الله هو القادر وحده على بدء الخلق وإعادته، لأن القادر على البدء قادر على

(١) تصرفون عن طريق الرّشد.
(٢) لا يهتدي بنفسه، أصله يهتدي، فأدغم التاء بالدال، وفتحت الهاء بحركة التاء.


الصفحة التالية
Icon