تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٠٥
بمخالفة دينهم، وإغراقهم في البحر وزوال ملكهم، لتكذيبهم برسالة موسى عليه السّلام. فتكون لام لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا لام العاقبة أو الصيرورة، لا أن القصد بالالتقاط من أجل أن يكون لهم عدوّا. ولقد كان فرعون ووزيره وأكبر رجاله هامان وجنودهما متعمدين الخطأ، مصرّين على تكذيب موسى. وبهذا يعلم أن (الخاطئ) متعمّد الخطأ، و(المخطئ) : الذي لا يتعمّده، فعاقبهم اللّه بأن ربّى عدوّهم عندهم، وكان هو سبب هلاكهم.
وقالت زوجة فرعون له : هذا الطفل قرّة عين لي، أي سلوة لي، تقرّ به عيني، وتفرح به نفسي، فلا تقتلوه، وذلك الإلهام لامرأة فرعون لأن اللّه تعالى ألقى عليه المحبة، فكان يحبّه كل من شاهده، ولعله يكون سببا للخير والنفع، أو نتخذه ولدا ونتبنّاه، لما يتمتع به من الوسامة والجمال، ولكن لم يشعر قوم فرعون أن هلاكهم بسبب هذا الطفل وعلى يده.
وأصبح قلب أم موسى بعد إلقاء صندوقه في البحر فارغا من كل شي ء من شواغل الدنيا، إلا من ذكر موسى، وكادت من شدّة حزنها وأسفها إظهار أمر ابنها وأنه ذهب لها ولد، وأنها أمّه، لو لا أن ثبّت اللّه قلبها وصبّرها، لتكون من المصدّقين الواثقين بوعد اللّه لها، بردّه إليها.
وقالت أمّ موسى لأخته ابنتها الكبرى : تتبّعي أثره واعرفي خبره، فخرجت لذلك، فعثرت عليه في بيت فرعون، وأبصرته عن بعد، والقوم لا يشعرون بها وبمهمّتها، ولا بأنه الذي يفسد الملك على يديه.
ومنع اللّه موسى من قبول ثدي المراضع غير ثدي أمّه، من قبل، أي من أول أمره، فقالت أخته لمن حول بيت فرعون : ألا أدلّكم على أهل بيت يتكفّلون بشأنه وإرضاعه وحضانته، وهم حافظون له، ناصحون للملك، بخدمته والمحافظة عليه؟!


الصفحة التالية
Icon