تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٢٣
و تبلّغهم رسالة ربّهم في العقيدة والأخلاق ودستور الحياة، وتبطل اعتذارهم بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير. وذلك كما جاء في آية أخرى : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) [النّساء : ٤/ ١٦٥].
وهذا الإنزال للقرآن والكتب السماوية السابقة : إنما هو رحمة من اللّه بعباده، ومن رحمته أنه لا يعذّب أحدا إلا بعد بيان، ولا يعاقب شخصا إلا بعد تكليف وإرسال رسول، وبعد التحقّق من وجود العقل الذي هو مناط التكليف.
إنكار القرآن من قبل المشركين
إن عناد الكفّار يحملهم على شتى أنواع الكفر والضلال والتكذيب، ونشاهد هذه الظاهرة جليّة في مشركي مكة، فإنهم بعد إرسال الرسل محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إليهم، ولغيرهم من العالم، وتأييده بمعجزة القرآن، طالبوا بإنزال كتاب عليه مثل التوراة دفعة واحدة، وكانوا قبل ذلك كافرين بالتوراة. وإذا طولبوا بكتاب منزل من عند اللّه خير من القرآن، عجزوا وتراجعوا، مما يدلّ كل ذلك على اتّباعهم الأهواء. وأما سبب تنجيم القرآن، أي نزوله تدريجا مقسطا على حسب المناسبات، فهو تلاؤمه مع الحكمة والحاجة وعلاج النوازل، ومراعاة المصلحة، وتجاوبه مع مقتضيات كل عصر وأوان، وهذا كله حكاه القرآن الكريم، وسجّله على هؤلاء الكفرة في قول اللّه تعالى :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٨ الى ٥١]
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)
«١»