تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٣٣
و خفيت الأدلة الدفاعية المقنعة، ولم يجدوا معتصما غير السكوت، لما اعتراهم من الاندهاش والذهول. وجاء الفعل : فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ بصيغة الماضي، لتحقّق وقوعه، وأنه تعيّن، والماضي من الأفعال متيقّن، فيعبر به عن المستقبل المتيقّن، لتأكيد وقوعه وتقوية صحته. والمعنى : أظلمت جهات الأمور عليهم. ولم يبق لديهم أمل في مساءلة بعضهم بعضا لحلّ المشكلات، لأنهم قد أيقنوا أنهم جميعا، لا حيلة لهم ولا مكانة، ولا أمل في النجاة.
ثم استثنى اللّه تعالى من هؤلاء المشركين الآيسين من رحمة اللّه أولئك الذين تابوا من كفرهم، وآمنوا بالله ورسله، وعملوا بتقوى اللّه، فهؤلاء يرجى لهم من اللّه الفوز والنّجاة، والظفر بالنعيم الدائم. إن الذين تابوا من الشّرك، وصدّقوا بالله، وأقرّوا بوحدانيته، وأخلصوا العمل للّه، وأدّوا الفرائض وغيرها، وآمنوا بالنّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم، هم الفائزون برضوان اللّه ونعيمه الجنان.
والتعبير بكلمة (عسى) المفيدة للرجاء، دون القطع واليقين بحسب اللغة، يراد بها هنا التأكّد والتّيقّن، لأن (عسى) من اللّه واجبة التّحقّق، كما قال كثير من العلماء.
وهذا مستفاد من حسن الظّن بالله تعالى، المبني على فضله وكرمه، خلافا لما عليه حال البشر، فإن قولهم مثلا :«عسى» و«لعل» مجرد ترج وتوقّع لا يدلّ على التأكّد والتحقّق.
صفات الجلال والجمال والكمال
الجلال التّام، والجمال المطلق، والكمال النّهائي، والإرادة الشاملة، والسّلطان النّافذ : إنما هو كله لله وحده، لا لأحد سواه، فهو خالق الأكوان والعباد، وبيده الأمر في البدء والختام، وله الحكم والقضاء النافذ في الدنيا والآخرة، فأين موقف