تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٨٦
الانتهاء إليه، وهو قيام القيامة، فإذا حلّ الأجل، تبدّلت معالم الأرض والسماء، ولكن أكثر الناس، وبخاصة الكفار، هم جاحدون لقاء الله تعالى، منكرون وجود البعث والحساب، لأنهم لم يتفكروا في ذواتهم وحواسّهم، ليستدلّوا بذلك على الخالق المبدع.
المراد من هذه الآية : وصف الكافرين المشركين بالغفلة والإعراض عن أمر الآخرة، ثم توبيخهم على أنهم قد فكّروا تفكيرا مغلوطا أو خطأ، فلم ينفعهم الفكر والنظر، لأنه لم يكن على سداد وصواب.
وقوله تعالى : إِلَّا بِالْحَقِّ يراد به بسبب المنافع التي هي حق وواجب، تدلّ على وجود الله وعبادته وحده على الدوام، والإعتبار بمنافع الأرزاق وغيرها. ثم أخبر الله تعالى عن كفر أكثر الناس بالبعث والنشور المعبّر عنه بلقاء الله تبارك وتعالى، لأن لقاء الله تعالى هو أعظم الأمور، وفيه النجاة أو الهلاك.
ثم وبّخ الله تعالى المشركين توبيخا آخر، وهو أنهم ساروا ونظروا في عواقب الأمم المتقدمة، ولكن ذلك لم ينفعهم، حتى لم يعملوا بحسب العبرة وخوف العاقبة.
إن هؤلاء الجاحدين عطلوا ثمرة النظر والفكر، أفلم يتنقلوا في الأرض، فينظروا بعقولهم وأفهامهم، ويتأمّلوا بأخبار الماضين، كانوا أشد قوة من أهل مكة ونحوهم، وكانوا أكثر تحضّرا وتمدّنا، حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وغرسوا فيها الأشجار، أكثر مما فعله المكّيون، وسائر العرب عند نزول الوحي، وجاءتهم الآيات الدّالة على وجود الله وتوحيده، فأعرضوا عنها، فأهلكهم الله بذنوبهم وكفرهم وتكذيبهم رسلهم، الذين أرسلهم الله تعالى إليهم، فلم يكن عقابهم جورا ولا ظلما، ولكن كانوا هم الظالمين أنفسهم، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى.
وهناك عقاب أشدّ من عقابهم الدنيوي، فلقد كان مصير المسيئين أسوأ مصير، وعقابهم أسوأ عقاب، وهو الخلود في نيران جهنّم، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى