تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ١٩٩١
إن هذه الآيات تحدّد أوقات التسبيح والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، وتعيّن أوقات الصلاة، والمؤمن يحرص على هذه الأوقات لأداء واجبه وإبراء ذمّته، فيسبح الله، أي ينزهه عن جميع صفات النقصان، ويثبّت له كل صفات الكمال، في جميع أوقات الليل والنهار، يسبح الله بأمره حين ابتداء المساء أو الليل، وحين طلوع الفجر أو النهار، ويحمد الله تعالى جميع من في السماوات والأرض، من ملائكة وجنّ وإنس، وجماد ونبات، وحيوان، ويسبح الإنسان الله وينزهه أيضا في وقت العشي أو العشاء، وهو شدة الظلام، وفي وسط النهار وقت الظهيرة.
قال ابن عباس وقتادة وبعض الفقهاء : في هذه الآية تنبيه على أربع صلوات :
المغرب، والصبح، والعصر، والظهر. والعشاء الآخرة في رواية أخرى. والواقع أن الآية تشمل أوقات الصلاة الخمسة، لأنّ العشي وقت العشاء، والمغرب وقت الإمساء، والصبح وقت الإصباح، والظهر والعصر من بعد تحوّل الشمس إلى جهة الغرب.
والمعنى : نزّهوا الله تعالى عن صفات النقصان، وصفوه بصفات المجد والكمال، في جميع هذه الأوقات المتعاقبة، من طلوع الفجر إلى غسق الليل، لأن أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله أدومها وأبقاها.
ومما يستدعي تسبيح الله وتنزيهه : ثبوت قدرته الخارقة، فالله هو القادر على الإحياء والإماتة، يخرج الإنسان الحي وغيره من التراب الميت، ثم من النطفة، ويخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر، وكلمة (الحي والميت) في هذه الآية، تستعمل حقيقة ومجازا، أما الحقيقة : فهي المني يخرج منه الإنسان، والبيضة يخرج منها الطائر، وهذه بعينها تخرج من حي، ونحو ذلك. وأما المجاز : فهي إخراج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وإخراج النبات الأخضر من الأرض، وإخراج الطعم من النبات.