تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٢٥
من الحمل إلى الطلق، إلى الولادة والنفاس، ثم الرضاع والفطام في مدة عامين، ثم تربيته ليلا ونهارا حتى صار كبيرا، وأمرناه بشكر اللّه على نعمته، وبشكر والديه، لأنهما سبب وجوده، ومصدر الإحسان إليه بعد اللّه تعالى.
وطاعة الوالدين لها حدود : وهي الأمر بالمعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى هذا، فإن ألحّ والداك في الطلب على أن تشرك بالله في عبادته غيره مما لا تعلم أنه شريك لله أصلا، فلا تقبل ذلك منهما، ولا تطعهما فيما أمراك به من الشرك أو العصيان.
ولكن صاحب والديك الكافرين في الدنيا مصاحبة كريمة بالمعروف، بأن تحسن إليهما بالمال والعلاج، والتودد في الكلام والمحبة والرفق، والوفاء بالعهد وإكرام صديقهما، ما دام ذلك في الدنيا، واتبع سبيل المؤمنين التائبين في دينك، ولا تتبع في كفرهما سبيلهما فيه، ثم إلي مرجعكم جميعا، فأجازيك أيها الولد على إيمانك، وأجازيهما على كفرهما إن كفرا، وأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير أو شر.
نزلت هاتان الآيتان في شأن سعد بن أبي وقاص، وذلك أن أمه : وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية، حلفت ألا تأكل ولا تشرب، حتى يفارق ابنها سعد دينه، ويرجع إلى دين آبائه وقومه، فلجّ «١» سعد في الإسلام. فلما طال ذلك، ورأت أن سعدا لا يرجع عن دينه أكلت «٢».
دلت الآيتان على الأمر ببر الوالدين، ثم حكم اللّه بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي لأن طاعة الأبوين لا تراعى في ارتكاب كبيرة، ولا في ترك فريضة عينية، وتلزم طاعتهما في المباحات. ويستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه المشاركة في
(٢) أخرجه أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان الهندي عن سعد.