تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٢٧
كالسماوات، أو في أسفل موضع كباطن الأرض، أحضرها اللّه في يوم الحساب، إن اللّه لطيف العلم، يصل علمه إلى كل شي ء خفي، خبير ببواطن الأمور. واللطف والعلم : صفتان لائقتان بإظهار غرائب القدرة الإلهية.
ويا بني، الزم إقامة الصلاة : وهي العبادة المخلصة لوجه الله، وأدّها كاملة الأركان والشروط، وأمر بالمعروف : وهو الذي يقره الشرع الإلهي، وانه عن المنكر :
و هو الذي يمنعه الشرع الإلهي، واصبر على المصيبة والشدائد والأذى، إن ذلك المذكور : من عزائم الأمور، أي مما عزمه اللّه وأمر به. والصبر هنا للحض على تغيير المنكر وإن نالك ضرر. وهذا إشعار بأن مغيّر المنكر يؤذى أحيانا، وهذا على جهة الندب، لا على سبيل الإلزام، وهذه الأوامر تشمل عظائم الطاعات والفضائل أجمع.
ويا بني لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلموك تكبرا واحتقارا، أي بل كن متواضعا سهلا هينا لينا، منبسط الوجه، مستهل البشر. ولا تسر في الأرض مختالا متبخترا، جبارا عنيدا، فإن تلك المشية يبغضها اللّه تعالى، واللّه يعاقب كل مختال في مشيه، معجب في نفسه، فخور على غيره.
وامش مشيا متوسطا معتدلا، ليس بالبطي ء المستضعف تزهدا، ولا بالسريع المفرط الذي يثب وثب الشيطان. والمشي مرحا : هو في غير شغل ولغير حاجة.
ومشاة المرح : هم الملازمون للفخر والخيلاء، فالمرح : مختال في مشيته.
ولا ترفع صوتك رفعا شديدا لا فائدة منه، وأخفضه، فإن شدة الصوت تؤذي آلة السمع، وتدل على الغرور، والاعتزاز المفرط بالنفس، وعدم الاكتراث بالغير. وإن اعتدال الصوت أوقر للمتكلم، وأقرب لاستيعاب الكلام ووعيه وفهمه. وإن رفع الصوت أكثر من اللازم يشبه صوت الحمير، وإن أقبح الأصوات لصوت الحمير، وذلك مما يبغضه اللّه تعالى، لأن أوله زفير وآخره شهيق. وأنكر الأصوات، أي


الصفحة التالية
Icon