تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٤٧
و إقرارا بالعبودية، ينزهون اللّه في سجودهم عن الصاحبة والولد والشريك، ويحمدون اللّه على نعمه، فهم يجمعون بين التسبيح والتحميد، لا يستكبرون عن طاعة ربهم، والانقياد لأوامره.
وهم أيضا يصلّون قيام الليل أو التهجد، تترفع وتبتعد جنوبهم أو جوانبهم عن مضاجع النوم والراحة، أي أماكن النوم، يدعون اللّه خوفا من العقاب، وطمعا بالرحمة وجزيل الثواب، وينفقون بعض أموالهم في سبيل الخير والإحسان. فلا تدري نفس على الإطلاق من ملائكة ورسل عظمة ومقدار ما أخفى اللّه لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذائذ التي تقرّ بها الأعين أي تفرح وتسرّ، جزاء عدلا مقابل صالح أعمالهم، التي عملوها بإخلاص في الدنيا، من غير سمعة ولا مراءاة، ومن أبسط المعقولات في قانون الجزاء الإلهي أو البشري أنه كيف يسوّى بين المؤمن بالله ورسوله، المطيع لأمره ونهيه، وبين الكافر الفاسق الخارج عن دائرة طاعة اللّه تعالى، المكذب رسل اللّه الكرام، إنهما لا يستويان في ميزان أحد، ولا في ميزان اللّه يوم القيامة.
عن عطاء بن يسار : أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك أنهما تلاحيا، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق، فنزلت الآية.
وعليه يكون جزاء الفريقين مختلفا في الآخرة : أما الذين صدقوا بالله ورسله، وعملوا صالح الأعمال، فلهم جنات المأوى المستقر المريح، التي فيها ألوان النعيم، ثوابا وجزاء على أعمالهم الحسنة. وأصل النّزل : ما يعد للضيف من الطعام والشراب والمبيت، والمراد به هنا : ثوابا وجزاء.
وأما الذين فسقوا، أي كفروا بالله تعالى، وعصوه وعملوا السيئات، وخرجوا عن دائرة الطاعة، فمأواهم النار التي يستقرون فيها، كلما عزموا على الخروج منها لشدة العذاب والأهوال، أعيدوا فيها خاسئين ذليلين، أي صاروا مخلّدين فيها،