تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٥٨
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٩ الى ١٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥)
«١» [الأحزاب : ٣٣/ ٩- ١٥].
المعنى : يا أيها المصدقون بالله ورسوله، اذكروا بالشكر والحمد نعمة اللّه التي أنعم بها عليكم، حين وقعتم في حصار جنود وحشود هائلة من قريش وغطفان واليهود وغيرهم، الذين جاؤوا لإبادتكم، فأرسلنا عليهم ريحا باردة في ليلة شاتية، وجنودا ملائكة لم تروها، أرعبتهم، فأكفأت القدور، وقلبت البيوت، وآثروا فك الحصار والنجاة، وكان اللّه مطلعا على جميع أعمالكم من حفر الخندق، والتعرض للشدائد، والاستعداد للقتال، واللّه يجازيكم عليها.
واذكروا حين جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي جهة المشرق، ومن أسفل الوادي جهة المغرب، ومالت الأبصار عن موازينها، فلم تلتفت لكثرة العدو، وصرتم في حال رهيبة من شدة الخوف والفزع، وتظنون ألوان الظنون الحسنة والسيئة، أي تكادون تضطربون، فمنكم المؤمن الثابت، ومنكم المنافق المتردد المضطرب، وتقولون : ما هذا الخلف للوعد؟ وحينئذ اختبر اللّه المؤمنين، فظهر المؤمن المخلص، والمنافق الكاذب، واضطربوا اضطرابا شديدا من الفزع وتهديدات العدو.