تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٦٠
غزوة الخندق- ٢- توبيخ المنافقين
استحق المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر اللوم والتوبيخ الشديد، وافتضاح شأنهم وعلم اللّه بهم، وبيان صفاتهم السيئة، من البخل، والجبن، وسلاطة اللسان، والاعلام بأنهم في الحقيقة غير مؤمنين، وأنهم من شدة خوفهم ظنوا أن الأحزاب لم يرحلوا ولم ينهزموا، وإن عادوا إلى القتال لتمنوا الخروج من المدينة إلى البادية، وإن قاتلوا مع المؤمنين لم يقاتلوا إلا قتالا يسيرا، بسبب انهزامهم الداخلي وفقد الثقة بالنفس. وهذه آيات كريمات تبين هذه الأحوال، قال اللّه تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٦ الى ٢٠]
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠)
[الأحزاب : ٣٣/ ١٦- ٢٠].
هذه تهديدات مبطنة وظاهرة، وتوبيخات شديدة لأولئك الذين نافقوا ولم يؤمنوا، أخبرهم أيها النبي أن الفرار لا ينجي من القدر، وأنهم لا يمتّعون في عالم الدنيا إلا تمتعا قليلا، أو زمانا يسيرا بل تنقطع أعمارهم في يسير من المدة. والقليل المستثنى :
هو مدة الآجال المقررة.