تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٦٤
الأعداء وتكاثرهم لحربهم، وصبرهم على البلاء، إلا إيمانا بالله ورسوله، واستسلاما لقضائه وقدره، وانقيادا لأمره ونهيه. والتسليم : الانقياد لأمر اللّه تعالى كيف جاء.
ويختلف موقف المؤمنين أيضا عن المنافقين بالوفاء بالعهد، فهم صدقوا العهد مع اللّه تعالى، ووفوا بما عاهدوا اللّه عليه من الصبر في حال الشدة والبأس، فمنهم من انتهى أجله واستشهد كيوم بدر وأحد، ومنهم من ينتظر قضاء اللّه والشهادة وفاء بالعهد، وما بدّلوا عهدهم وما غيروه، بخلاف المنافقين الذين ولّوا الأدبار، وبدّلوا الأقوال ونقضوا العهود. وهذا ثناء من اللّه على عباده المؤمنين الذين عاهدوا اللّه على الاستقامة التامة، فوفوا نذورهم وعهودهم، قال الحسن : قضى نحبه : مات على ما عهد.
إن تعرض المؤمنين للمحن والبلايا واختبارهم بالخوف وملاقاة الأعداء، من أجل تمييز الخبيث من الطيب، ومكافأة الصادقين في إيمانهم، بصبرهم على ما عاهدوا اللّه عليه، وقيامهم به ومحافظتهم عليه، ولتعذيب المنافقين الذين كذبوا، ونقضوا العهد، وأخلفوا الأوامر واعتذروا بالأعذار الكاذبة، فاستحقوا العذاب واللوم.
إن اللّه تعالى كان وما يزال كثير المغفرة حيث ستر ذنوب عباده ورحمهم ورزقهم الإيمان، ووفقهم للتوبة، ولم يعاقبهم على ما مضى بعد التوبة الخالصة. وهذا حث على التوبة والإيمان قبل فوات الأوان.
وكانت نهاية معركة الأحزاب أو الخندق تحقيق النصر للمؤمنين، وهزيمة الكافرين، وجلاءهم عن المدينة بعد الحصار الشديد، فقد ردّهم اللّه تعالى عن المدينة خائبين خاسرين، مع شدة غيظهم، لعدم تحقيق مآربهم، ولم يحققوا خيرا لأنفسهم، لا في الدنيا من الظفر والمغنم، ولا في الآخرة من الآثام والعذاب وإحباط