تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٨٢
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيداً (٥٥)
«١» [الأحزاب : ٣٣/ ٥٣- ٥٥].
تضمنت الآية الأولى حكمين : الأول- الأدب في شأن الطعام والجلوس، والثاني- أمر الحجاب. أما الحكم الأول، فيا أيها الذين آمنوا أو صدقوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيتا من بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في كل الأحوال إلا بالإذن لتناول طعام، غير منتظرين وقت نضجه، فإذا نضج فادخلوا. فإذا دعيتم فادخلوا، فإذا تناولتم الطعام فانتشروا في الأرض غير مستأنسين أو مشتغلين بلهو الحديث. إن دخولكم بيت النبي واشتغالكم بالحديث قبل نضج الطعام كان يؤذي النبي، وإيذاؤه حرام، وكان النبي يتضايق من ذلك، ويكره أن ينهاكم عن ذلك من شدة حيائه صلّى اللّه عليه وسلم، والله لا يستحيي من بيان الحق، وهو الأمر بالخروج من البيت، ومنع البقاء فيه.
وهذا أدب عام يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وسائر المؤمنين.
نزلت هذه الآية فيما
أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أنس، قال : لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم زينب بنت جحش، دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، وقام

(١) أي منتظرين نضجه.


الصفحة التالية
Icon