تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٨٦
ثم ذكر الله تعالى عقاب المؤذين لأهل الإيمان، فإن الذين يصدر منهم الأذى للمؤمنين والمؤمنات بالأفعال والأقوال القبيحة، والبهتان، والكذب الفاحش المختلق، سواء فيما يمس العرض أو الشرف أو المال، بأن ينسبوا إليهم ما لا علم لهم به ولم يفعلوه، فإنهم تحملوا البهتان أي الفعل الشنيع، أو الكذب الشائن، وارتكبوا ما يوجب الوقوع في الإثم والذنب الواضح.
ومن أشد أنواع الأذى للمؤمنين : الطعن بالصحابة، والغيبة، واستباحة عرض المسلم، والتعييب والتحقير، والإنقاص، والهمز واللمز، والإتلاف والاعتداء على النفس والمال. ويستثني من ذلك حالة الرعاية والتأديب لأغراض شريفة أو كريمة.
إن صون حرمة المؤمن واجب شرعي، وأدب أخلاقي كريم، لا سيما في أثناء الغيبة.
وإن إيذاء الله بالكفر به، وإيذاء الرسول بالطعن بشي ء من تصرفاته، أو الإساءة لأهله، جرم عظيم وفعل شنيع.
الحجاب وجزاء المنافقين
لا يمكن لأحد الادعاء بأن المرأة ليست فتنة للرجل، بشعرها وسواعدها وأرجلها وسائر جسدها، بدليل إدامة النظر إليها ما لم يكن هناك شاغل أو مانع خلقي أدبي أو ديني، والواقع خير شاهد، ولا مكابرة فيه وبرهان ذلك الأمر الإلهي الدائم بغض النظر من الرجل والمرأة، لذا نظم الشرع الحنيف العلاقة بين الرجل والمرأة، فأقامها على الحق والعدل، وصان المرأة من كل ذرا
ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢)
[الأحزاب : ٣٣/ ٥٩- ٦٢].
يأمر الله النبي بتبليغ زوجاته وبناته ونساء المؤمنين بإرخاء الستر عليهن وتغطيتهن بالحجاب الشرعي : وهو الجلباب، أي الرداء الساتر لجميع الجسد ما عدا الوجه والكفين، وهو أدب حسن يبعد المرأة عن مظان التهمة والريبة، ويحميها من أذى الفساق، ويميز الحرائر عن الإماء كما كان في الماضي، وكان الله وما يزال واسع المغفرة لما سلف من إهمال التستر، عظيم الرحمة بعباده، حيث أرشدهم إلى هذا الأدب الرفيع فقد كانت عادة العربيات في الجاهلية التبذل في الستر، وكشف مواطن الزينة، فبدل الإسلام بالتبرج : الصون والستر المناسب.
روي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصّعدات «١» (كالمصاطب) لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك.
ثم توعد الله المنافقين (الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر) فلئن لم يكفوا عما هم عليه من النفاق فلنسلطنك عليهم، هم والذين في قلوبهم مرض (و هو شك وريبة في أمر الدين وحب الزنا) وأهل الإرجاف في المدينة (و هم قوم من المنافقين كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة، بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سيغلب،

(١) جمع صعدة وهي القناة المستوية المستقيمة.


الصفحة التالية
Icon