تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٠٩٩
مثل قول اللّه تعالى : لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر : ٤٠/ ٥٧]. وقوله عز وجل : أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى [يس : ٣٦/ ٨١].
ما أكثر الأدلة المقنعة على وجود اللّه وقدرته، وإثباته إمكان البعث وجمع الناس ليوم القيامة، ولكن التعامي عن الحقائق سمة أهل الضلال وذوي الأهواء، الذين يؤثرون مصالحهم الذاتية القريبة على الباقي الدائم.
النعم الإلهية على داود وسليمان عليهما السلام
أنعم اللّه تعالى على داود وسليمان عليهما السلام بنعم عظيمة عجيبة، ما تزال موضع إعجاب وإكبار، وتقدير وإعظام، ولما، ويستخدمها في قضاء حاجاته، والانة الحديد له، فيصير في يديه كالعجين، من غير طرق ولا إذابة في النار، ليعمل بها الدروع الواسعة، وينسجها نسجا محكم الحلقات بحيث تكون حلقها منسجمة متوالية غير متفاوتة، فلا هي ضيقة ولا واسعة ولا ثقيلة، وهذا يحقق حاجة داود حيث كان عصره عصر حروب وقتال مع الملك المعاصر له.
وهذا هو المراد بقوله تعالى : وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي قدر تقديرا سديدا في نسج الدروع المحكمة، بحيث تجمع بين الخفة والمتانة، والتوسط والاعتدال، فلا تكون الحلقات صغيرة ولا كبيرة، وهذه نعم تستحق الشكر، ومردودها على آل داود، لذا قال اللّه لهم : وَاعْمَلُوا صالِحاً أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أمدكم الله به من النعم، ثم توعدهم بقوله : إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي لا يخفى علي أمركم، فإني بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى علي شي ء منها. وهذا ترغيب في العمل الصالح، وتحذير من التقصير والإهمال.
وكذلك منح اللّه تعالى نعما ثلاثا أخرى لسليمان بن داود عليهما السلام وهي تسخير الريح، أي تذليلها له، بحيث يكون غدوها مسيرة شهر، ورواحها مسيرة

(١) أي قصاع كالحفر الكبيرة. [.....]
(٢) أي عصاه.


الصفحة التالية
Icon