تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١١١
سنة الله في خلقه، فقياسكم الآخرة على الدنيا خطأ محض، وليس الأمر كما ظننتم، بل بسط الرزق وتقديره أو تقتيره معلّق بالمشيئة الإلهية، في الكافر والمؤمن، وليس ذلك دليلا على رضا اللّه والقرب منه، لأنه قد يعطي الرزق أملا واستدراجا، ولأن أساس التقرب من اللّه هو الإيمان والعمل الصحيح فقط.
وليست كثرة أموالكم وأولادكم دليلا على محبة اللّه لكم ورضاه عنكم، ولا هي مما تقربكم إلى رحمتنا وفضلنا، لأن التقريب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، فالمؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، الذين يعملون صالح الأعمال من أداء الفرائض والطاعات هم المقربون لله تعالى.
أما الذين يحاولون الطعن بآياتنا مغالبين زاعمين التفوق، فهم جميعا مقدّمون للعذاب، من غير مهرب ولا إفلات، وبيان حال هؤلاء المؤمنين بعد بيان حال الكافرين وتوضيح جزاء كل فريق، ليظهر تباين المنازل، وتكون المقارنة حافزا على الاستقامة، وترك الضلالة.
ثم أوضح اللّه تعالى نظامه في الإمداد بالرزق، فأمر نبيه أن يقول : إن ربي وحده هو الذي يوسع الرزق على من يريد من عباده، ويضيّقه على من يريد، على وفق ما يجده من الحكمة السديدة التي لا يدركها سواه.
وليطمئن كل إنسان على رزقه، فكل ما تنفقونه أيها الناس في فعل الخير، فالله يعوضه عليكم بالبديل في الدنيا، أو بالجزاء في الآخرة، واللّه هو الرازق في الحقيقة، وما مساعي الناس إلا وسائط وأسباب، وهذا تزهيد في الدنيا، وترغيب في عمل الخير، والإنفاق في مرضاة اللّه تعالى.


الصفحة التالية
Icon