تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٢٦
من أدلة قدرة الله تعالى وتوحيده
في الوجود أدلة كثيرة على توحيد الله تعالى، وقدرته الفائقة، وإمكانه بعث الناس من القبور مرة أخرى، منها خلق الأشياء المتحدة الجنس، لكنها مختلفة المنافع، مثل إيجاد الماء الملح والماء العذب، إما متجاورين في مكان واحد، أو في أمكنة متباعدة، ومثل تداخل الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب المختلفة النيرة في أنحاء السماوات، وكل هذا ونحوه يدل دلالة واضحة على وجود الإله الخالق، المدبر، الواحد، القدير، المهيمن، ويوحي بوجوب الإيمان به عقلا وفعلا، قال الله تعالى منبها على هذه الأدلة :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)
[فاطر : ٣٥/ ١٢- ١٤].
هذه أدلة أخرى تثبت مقدرة الله العظمى لكل عاقل، وتقطع بأن الأصنام عاجزة عن فعل مثلها.
والدليل الأول : هو أن الله تعالى أوجد البحرين : الملح والعذب، وهما وإن تساويا في الصورة، يختلفان في الطبيعة، فإن أحدهما ملح شديد الملوحة، وهو البحر الذي تسير فيه أنواع السفن ذات الحمولة الكبيرة، والآخر عذب شديد العذوبة، سائغ الشراب، يجري في الأنهار الكبيرة والصغيرة، ويحقق منافع كثيرة.
ويصاد السمك من كل من البحرين الملح والعذب، وتستخرج الحلية الملبوسة