تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٣٧
السعداء، ويبتعد عن موجبات جزاء الكافرين الأشقياء، وليتأكد كل الناس أن القرار الحاسم في الحكم الإلهي لا يقبل النقض، ولا يجد الخاسرون أنصارا ينصرونهم من بأس الله وعذابه، ولا طريق للإنقاذ أو تصور العودة إلى الدنيا، لأن الاختبار واحد والنتيجة واحدة، لا تتكرر، قال الله تعالى واصفا جزاء الكفار :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)
[فاطر : ٣٥/ ٣٦- ٣٩].
أخبر الله تعالى عن حال الذين كفروا، حال الذين اصطفى من عباده لوراثة القرآن، وهذا منهج القرآن في الغالب، لتتضح الصورة من خلال المقارنة والعظة، فأما المصطفون المختارون لإرث القرآن فهم في جنان الخلد، وأما الذين كفروا بالله وبالقرآن، وستروا ما أرشدت إليه العقول للوصول إلى الحق، فلهم نار جهنم، لا يحكم عليهم بموت ثان، فيستريحوا من العذاب والآلام، ولا يخفف عنهم شي ء من العذاب طرفة عين، بل كلما خبت النيران زاد سعيرها، كما قال الله تعالى :
كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء : ١٧/ ٩٧].
ومثل ذلك الجزاء الشديد، يجزي الله تعالى كل كفور، أي مبالغ في الكفر وحال هؤلاء الكفار المعذبين في جهنم أنهم يستغيثون في النار، رافعين أصواتهم، ينادون قائلين : ربنا أخرجنا منها، وردّنا إلى الدنيا، نعمل عملا صالحا ترضى عنه، غير ما كنا نعمله من الشرك والمعاصي، فنجعل الإيمان بدل الكفر، والطاعة بدل المعصية.