تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٥٧
سَلامٌ وهو توبيخ لهم على عهده إليهم، ومخالفتهم عهده، فيكون سبب تمييزهم وفصلهم أنه كما حكى القرآن : ألم أعهد إليكم، أي آمركم وأوصكم من طريق الرسل أيها البشر : ألا تطيعوا الشيطان، فيما يوسوس به إليكم من المعصية والمخالفة، فإن الشيطان عدو ظاهر العداوة لكم، بدءا من عهد أبيكم آدم عليه السّلام.
وأمرتكم أن تعبدوني وتطيعوني وحدي، فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه، وهذا هو الطريق المعتدل القويم، وهو دين الإسلام.
ولقد أغوى الشيطان خلقا كثيرا، وزين لهم فعل السيئات، وصدّهم عن طاعة الله وتوحيده، أفلم تعقلوا عداوة الشيطان لكم؟! ويقال لهم تقريعا وتوبيخا : هذه النار التي وعدتم بها في الدنيا، وحذّرتكم منها على ألسنة الرسل، فكذبتموهم : ادخلوها وذوقوا حرها اليوم، بسبب كفركم بالله في الدنيا، وتكذيبكم بها. وهو أمر تنكيل وإهانة. ويواجهون بجرائمهم عيانا، ففي هذا اليوم الرهيب، يختم الله على أفواههم، بحيث لا يقدرون على الكلام، وتتكلم أيديهم وأرجلهم، شاهدة على أصحابها بما ارتكبت من آثام في الدنيا. والتكلم للأيدي والأرجل لأن أكثر الأفعال تتم بمباشرة الأيدي، وسعي الأرجل.
وقدرة الله كبيرة، فلو شاء لأذهب أعينهم وأعماهم، فصاروا لا يبصرون طريق الهدى، ولا يعرفون طريق النجاة، فكيف يبصرون وقد ذهبت أبصارهم؟ أي لو شاء ربك لمسح أعين الكفار، حتى أرادوا سلوك الطريق الواضح المعروف لهم لما استطاعوا، فكيف يبصرون حينئذ؟
و لو شاء الله لبدّل خلقهم، وحوّل صورهم إلى صور أخرى أقبح منها كالقردة والخنازير، وهم جاثمون في الأماكن التي ارتكبوا فيها السيئات، فلا يتمكنون من الذهاب أمامهم ولا الرجوع وراءهم، بل يلزمون حالا واحدة، لا يتقدمون ولا يتأخرون.


الصفحة التالية
Icon