تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢١٨٠
هذا إبطال مذهب الجبرية والقدرية.
أخرج الثعلبي عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«إن اللّه خالق كل صانع وصنعته». ولفظ حذيفة عند البيهقي :«إن اللّه عز وجل صنع كل صانع وصنعته، فهو الخالق، وهو الصانع سبحانه».
فتواطأ قوم إبراهيم على قتله، وقالوا : ابنوا له بنيانا واسعا، وأضرموا فيه نارا عظيمة، ثم ألقوه في تلك النار المستعرة. فأرادوا به سوءا بحيلة ومكر، فأنجاه الله تعالى، وجعل النار بردا وسلاما عليه، ونصره اللّه عليهم، وجعلهم مغلوبين أذلة بإبطال كيدهم، ومعاقبين على أفعالهم.
ولما نجا إبراهيم عليه السّلام من إحراق النار، وأيس من إيمان قومه، قال : إني مهاجر من بلد قومي الذين آذوني، تعصبا للأصنام، وتكذيبا لرسله، إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه، وسيهديني اللّه لما فيه صلاح ديني ودنياي، وذلك إلى بلاد الشام المقدسة. رب هب لي ولدا صالحا عونا على طاعتك، وإيناسا في الغربة. فبشره الله بغلام متميز بالحلم الكثير، وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السّلام، فإنه أول ولد بشرّ به إبراهيم عليه السّلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب.
الذبيح إسماعيل عليه السّلام
بعد أن ترك إبراهيم الخليل عليه السّلام ديار قومه عبدة الأصنام، وهاجر من أرض بابل حيث كانت مملكة نمرود إلى بلاد الشام، بشره اللّه بغلام حليم، وهو إسماعيل عليه السّلام الابن الأكبر لإبراهيم، ولما كبر إسماعيل وشبّ وبلغ ابن ثلاث عشرة سنة، امتحن اللّه تعالى الأب إبراهيم والابن إسماعيل بقصة الذبح، وأعقب ذلك الامتحان بشارة أخرى بإسحاق نبيا من الصالحين، مباركا عليه وعلى إبراهيم،