تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٣
و البركة، فيه الشفاء النافع لمن تمسّك به، والنجاة لمن اتبعه، وقد أنزله اللّه تعالى للناس للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر وإمعان، وليتعظ أهل العقول الراجحة به وببيانه. وقوله تعالى : لِيَدَّبَّرُوا أي لتتدبروا آياته.
قال الحسن البصري رحمه الله : واللّه ما تدبّره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله، ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل.
وفي هذه الآية اقتضاب وإيجاز بديع، كإعجاز كل القرآن العزيز. ووصف القرآن بالبركة، لأن أجمعها فيه، فهو يورث الجنة، وينقذ من النار، ويحفظ المرء في حال الحياة الدنيا، ويكون سبب رفعة شأنه في الحياة الآخرة.
وظاهر هذه الآية يقتضي أن التدبر من أسباب إنزال القرآن، فالترتيل أفضل من أجل هذا، إذ التدبر لا يكون إلا مع الترتيل، والترتيل وسيلة لفهم المعاني، والاتعاظ بالأحكام، والاسترشاد بالهدي القرآني، وحمل الإنسان على الاتباع والالتزام، وترك هجر القرآن، كما عليه حال بعض الناس اليوم.
والآية أيضا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن، والمعرفة تقود إلى الاتباع، قال الحسن البصري : تدبر آيات الله : اتباعها.
إن من أجلّ مقاصد القرآن إصلاح الحياة الإنسانية، بإصلاح الفرد والجماعة، وإصلاح الروابط والعلاقات في جميع مجالاتها وأنواعها.
نعم اللّه تعالى على سليمان عليه السّلام
أفاض اللّه فيض نعمه السخية على سليمان، كما أفاض على أبيه داود عليهما السّلام، واستمرار هذا الفيض الإلهي يقتضي أن يشكر المحسن، ويتعظ المسي ء بما