تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٠٨
النعمة كداود وسليمان عليهما السّلام، ومنهم من ابتلي وامتحن بالمرض كأيوب عليه السّلام، ففي حال النعمة شكر وحمد، وفي حال النقمة صبر وتفويض لله.
والمعنى : اذكر أيها النبي محمد لقومك مدى صبر أيوب عليه السّلام على مرضه مدة طويلة من الزمان، قيل : هي نحو من ثماني عشرة سنة، اذكره حين دعا ربه : بأنني قد مسني الضر، وألحق بي الشيطان الضر والمشقة والألم. ولم يكن مرضه منفّرا الناس منه، وإنما هو مرض جلدي ظاهري، قابل للشفاء.
أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : أن أيوب عليه السّلام بقي في محنته ثماني عشرة سنة.
فأجاب اللّه دعاءه، وأمره أن يضرب برجله الأرض، فنبعت عين جارية، فاغتسل فيها، وشرب منها. وقوله : ارْكُضْ بِرِجْلِكَ الركض : الضرب بالرّجل.
والمعنى اركض الأرض، ولما فعل ذلك عوفي من مرضه.
وأعاد اللّه له أيضا أهله وولده الذين تركوه، ووهب له ماله في الدنيا ورد ما هلك من ماشيته، وبارك في جميع ذلك، وولد له الأولاد حتى تضاعفت الحال، رحمة من اللّه به، وتذكرة لأصحاب العقول السديدة، فإن ما بعد الصبر والشدة إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر.
وكانت زوجته تتردد عليه مدة مرضه، فيوسوس لها الشيطان ويقول لها : لو سجد هذا المريض للصنم الفلاني لبرئ، ولو ذبح عناقا (أنثى المعز أو الضأن إلى تمام الحول) للصنم الفلاني لبرئ، ويعرض عليها وجوها من الكفر، فكانت ربما عرضت ذلك على أيوب، فيقول لها : ألقيت عدو اللّه في طريقك؟ فلما أغضبته بهذا ونحوه، حلف لئن برئ من مرضه ليضربنها مائة سوط.
فلما برئ، أمره اللّه تعالى أن يأخذ بيده قبضة أو حزمة كبيرة من القضبان ونحوها